الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

تجربة م. ت.ف. من المقاومة المسلحة الى التسوية السلمية (1964 - 2006م)

تبحث هذه الأطروحة في طبيعة التغيرات السياسية والفكرية التي طرأت على م.ت.ف منذ انشائها عام 1964م وحتى العام 2006م. والمقصود التعديلات على المشروع الوطني الفلسطيني الذي حدد معالمه الميثاق الوطني عام 1968م. وذلك استجابة لظروف ذاتية وموضوعية، كان من نتيجتها التحول أولا عن الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية كأسلوب للتحرير الكامل، الى المفاوضات المباشرة مع اسرائيل كأسلوب للتسوية السياسية. والتحول ثانيا عن هدف اقامة الدولة الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني، الى سلطة وطنية على جزء من فلسطين، ثم الى دولة مستقلة على حدود قرار التقسيم رقم 181، ومنه الى القبول بحكم ذاتي انتقالي في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1993م. والتحول ثالثا عن هدف عودة اللاجئين الى بيوتهم واراضيهم التي هجّروا منها عام 1948، الى تسوية مقبولة ومتفق عليها مع اسرائيل لقضيتهم. والتحول رابعا من رفض الاعتراف باسرائيل كدولة محتلة لفلسطين، الى الاعتراف الفلسطيني الرسمي بوجودها وبكيانها. والتحول خامسا من رفض الاعتراف بـ قرار مجلس الأمن 242، الى الاعتراف الصريح به، والى ما هنالك من تحولات، كانت في مجموعها انقلابا على المنطلقات السياسية، والعقائدية، لميثاق منظمة التحرير الذي طالته هذه التغيرات أيضا.

شكل ذلك كما هو معروف سببا للانقسام في الساحة الفلسطينية. فقسم من القوى السياسية الفلسطينية اعتبر ما جرى تنازلا وانحرافا عن المبادىء الأساسية التي تحكم الصراع مع اسرائيل، وتعامل معها كتفريط بالحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني. والقسم الآخر اعتبرها واقعية سياسية ونجاحا في اختراق منطق التوسع الصهيوني، والاستفراد الاسرائيلي بالساحة الدولية. عدا عن أنها التفاف على العجز العربي، ومحدودية القدرة الفلسطينية والعربية في حسم المعركة عسكريا مع اسرائيل.

بغض النظر عن حجج كلا الفريقين، فإن أفضل طريقة لاستيعاب هذا التعقيد بالواقع السياسي وتداعياته، كانت بالعودة الى مراجعة تجربة منظمة التحرير الفلسطينية من بدايتها، وقراءة الظروف السياسية والوضع العربي والفلسطيني الذي واكب نشأتها عام 1964م. فتطرق الباحث الى دور مصر بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وجامعة الدول العربية في بلورة فكرة الكيان الفلسطيني وانشاء م.ت.ف عام 1964م، وصياغة ميثاقها القومي ونظامها الأساسي. وتراجع الدور العربي نوعا ما بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران 1967م، ثم تزايد دور المقاومة خصوصا بعد هزيمة الجيش الاسرائيلي في معركة الكرامة عام 1968م أمام مقاتلي حركة فتح وفصائل المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني. مهّد ذلك لإنضمام حركة فتح وفصائل العمل المسلح الفلسطيني للمنظمة عام 1969م، ومن ثم هيمنة فتح على م.ت.ف وعلى قرارها السياسي، عقب انتخاب ممثلها ياسر عرفات رئيسا للمنظمة في ذاك العام، الذي شهد تعديل الميثاق القومي وتحويره الى الميثاق الوطني الفلسطيني. ومن يومها يمكن القول أنه حدث تداخل بين مبادىء فتح وأهداف وسياسات م.ت.ف.

من هذا المدخل، انتقل الباحث للحديث عن محددات صناعة القرار السياسي الفلسطيني، والاعتبارات الداخلية والخارجية التي يتم مراعاتها عند اتخاذه، والآليات المتبعة في صياغته، وطبيعة الأطراف السياسية المشاركة فيه، والمؤسسات المتخصصة في صناعته، ومخرجاته. وبعد تحليل هذه المفردات، استنتج الباحث أن القرار الفلسطيني يميل للإعتماد على التكتيك أكثر من الالتزام بالإستراتيجية، وتغلب عليه بصمات القيادة الكرزماتية أكثر من سمات القيادة الجماعية. وأشار الباحث الى أن أهم مخرجاته كانت ولادة جبهة الرفض، وغياب أي تأثير حقيقي عليه لسنوات طويلة من قبل القوى الوطنية وجماهير الضفة الغربية وقطاع غزة. وهو ما دفع بالكاتب بالفصل الثالث للبحث في مدلول الشرعية السياسية لـ.م.ت.ف ومقوماتها، بما في ذلك رصد مصدر هذه الشرعية وآليات اكتسابها، فلسطينيا، عربيا، ودوليا. وهي مسألة في غاية الأهمية، لأن القوى المعادية للمنظمة وأحيانا المعارضة لنهجها، لم تدخر جهدا في محاولة خلق بدائل سياسية لها طوال مسيرتها. توصل الباحث هنا، إلى أن قيادة م.ت.ف نجحت في المزج بين الشرعية الثورية، والشرعية الكاريزماتية، والشرعية التاريخية، لتكريس شرعيتها السياسية. رغم (اضطرارها) تقديم تنازلات سياسية لافتة للولايات المتحدة الأمريكية عام 1988م، ولاسرائيل عام 1993م، للاعتراف بشرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني. وهذه التنازلات حدت بالكاتب في الفصل الرابع من الأطروحة الى مراجعة موقف م.ت.ف من مشاريع التسوية السياسية الدولية والاقليمية التي طرحت منذ العام 1967م، وحتى انطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م. وتحدث الكاتب في هذا السياق بشيء من التفصيل حول منطلقات المشروع الوطني الفلسطيني، ومرتكزاته، وأهدافه. وتناول الباحث الكيفية التي تحول فيها هذا المشروع الى برنامج مرحلي، ثم الى برنامج سياسي عام 1979، ومنه الى مبادرة للسلام عام 1988م. وبينّ الكاتب درجة مساهمة مجموعة من الظروف والأحداث في التحولات التي طرأت على هذا المشروع، ومن بينها الحرب الأهلية في الأردن ولبنان على التوالي عام 1970م و1975م، وحربي العام 1973م و1982م مع اسرائيل، والانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م.

في الفصل الخامس تناول الباحث مراحل المفاوضات السياسية بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل منذ عام 1991م، ونتائجها، وتأثيرها السلبي على الوضع الفلسطيني برمته. وبين الكيفية التي استوعبت بها قيادة المنظمة المتغيرات السياسية التي سبقت هذه المفاوضات، وغرضها من المشاركة فيها، رغم عدم جاهزية القيادة الاسرائيلية للتسوية، كما ثبت من مسار السياسة الرسمية الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين بعدها. لقد توصل الكاتب في الفصل الأخير من هذه الأطروحة الى وجود خمسة أسباب رئيسة وقفت خلف التغيرات السياسية والفكرية التي طرأت على مشروع م.ت.ف، أولها الضعف السياسي، والتنظيمي، والبنيوي للمنظمة، الذي تمثلت مظاهره في تعدد الفصائل والانشقاقات التنظيمية، وغياب دور المؤسسة وهيمنة الفرد على قرارها، ومحاولات خلق البدائل لها، وتهميش دور تنظيم وقيادة الداخل. وثانيها ضعف عسكري، تمثل في ترهل الوحدة العسكرية لفصائل المقاومة، وغياب القاعدة الآمنة، والعمل من خارج حدود فلسطين، وتكرار الهزائم الميدانية الداخلية في الساحتين الأردنية واللبنانية، اضافة الهزيمة في المواجهة مع إسرائيل. وثالثها تدويل القضية الفلسطينية، وارتباط مصالح الدول الكبرى في العالم بأي حل يتعلق في مستقبلها. ورابعها الموقف المتذبذب للأنظمة العربية من المقاومة الفلسطينية، ومن برامجها واهدافها، وأيضا من الصراع مع اسرائيل. وخامسها تمثل في ظهور تيارات سياسية وفكرية داخل المنظمة تدعو الى الواقعية السياسية، والتكتيك السياسي، والى البحث عن تسويات مع اسرائيل، وعدم اهمال موازين القوى التي تحكم الصراع معها. وفي النهاية، أوضح الكاتب أن لجوء القيادة الفلسطينية الى التجريب السياسي كنهج في تحقيق برامجها وأهدافها، واتباعها لسياسة ادارة الأزمات بدلا من معالجتها، أضعف من قدرتها على انجاز مشروعها الوطني. وتوصل الى عدد من التوصيات بالفصل السابع أهمها اعادة بناء المنظمة على أسس ديمقراطية ودستورية، واعادة النظر في برنامجها السياسي بعد كل التطورات التي شهدتها القضية الفلسطينية. ومحاربة أي مظاهر للفساد فيها، وتقوية مؤسساتها وتعزيز الوحدة الوطنية كمقدمات لتعزيز شرعيتها. والتعامل مع المفاوضات مع اسرائيل كشكل من أشكال النضال السياسي لتحقيق الأهداف الوطنية، وعدم التخلي عنها كآلية لانجاز مشروع الدولة المستقلة. وفي حال فشل التسوية النهائية يمكن للمنظمة اعادة توجيه النضال الفلسطيني لكفاح شعبي ينادي بدولة ثنائية القومية في فلسطين التاريخية.

النص الكامل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق