الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

دور الولايات المتحدة الأمريكية في إحداث تحول ديمقراطي في فلسطين (ولاية الرئيس جورج بوش الابن 2001-2006

الملخص

تتناول هذه الدراسة موضوعا تعاظم الحديث عنه في السنوات الثماني الماضية، وكثر الحديث عن أبعاده ومبرراته وتوقيته، وغدا مرحلة جديدة تُسجل في تاريخ السلطة الفلسطينية منذ نشأتها. جاء اختيار دراسة الدور الأمريكي في إحداث تحول ديمقراطي في فلسطين نتيجة لما حظيه موضوع الإصلاح من اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية بعد أحداث 11 أيلول 2001، وكيف أصبح جوهر الخطاب السياسي الأمريكي يركز على محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. وتتعاظم أهمية البت في موضوع إصلاح السلطة الفلسطينية كونه طُرح في وقت كانت السياسة الأمريكية تتجه نحو تحولات جديدة في تعاطيها مع الشرق الأوسط، واضعة استراتيجيات جديدة لحماية مصالحها، وإحكام سيطرتها ونفوذها فيه. في الوقت ذاته كانت المسألة الفلسطينية الإسرائيلية تمر بمرحلة تصاعدت فيها حالة التنافر بينهما عقب فشل جهود التسوية وإعادة الهدوء إلى علاقتهما، ما انعكس تدريجيا على العلاقة الفلسطينية الأمريكية، إلى أن شهدت حالة من التدهور جعلت موضوع «الإصلاح» يرسم معالم سياستها الجديدة تجاه السلطة، ولاسيما أن السلوك السياسي للقيادة الفلسطينية بعث بمؤشرات حول صعوبة وصول سقف المطالب الفلسطينية إلى حد يتلاءم مع تحفظات إسرائيل على أمنها؛ ما أوجبها إعادة تقييم الدور الذي لعبته القيادة الفلسطينية في عملية السلام برمتها، وكيف ساهمت في تعطيل التوصل إلى اتفاق تسوية.

على هذا الأساس جاء افتراض الباحث أن حاجة الولايات المتحدة لإنجاز اتفاق فلسطيني إسرائيلي يخدم مصالحها وأهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وتطلعاتها لحماية أمن إسرائيل، شكلت دافعا وحجة لمطالبة السلطة الفلسطينية بإجراء «إصلاحات» سياسية، والتحول إلى النهج الديمقراطي في الحكم. كما افترض الباحث أن خدمة هذه المصالح، وطبيعة العلاقة الإسرائيلية-الأمريكية، وقضية التسوية، شكلت محددات رئيسة لقبول الولايات المتحدة للتحول الديمقراطي في السلطة الفلسطينية.

ولفحص مدى صحة تلك الفرضيات، استخدم الباحث المنهج التاريخي في رصده لتطورات العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، وكيف بدأت القضية الفلسطينية تتبلور في العقل السياسي الأمريكي، وتأخذ حيزا من الأهمية في سياستها الخارجية. ثم لجأ إلى المنهج التحليلي للوقوف على دورها في إحداث تحول ديمقراطي في فلسطين، إذ حلل الأهداف والاستراتيجيات التي اتبعتها تجاه النظام السياسي الفلسطيني خلال الحقبة الزمنية الواقعة بين 2001-2006 والتي تشكل المحددات الزمنية للدراسة، ثم درس توجهاتها السياسية حيال النظام السياسي الفلسطيني بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، محللا أبرز هذه التوجهات، ومدى توافقها مع افتراض الباحث.

قسّمت الدراسة إلى فصول أربعة؛ الأول شمل هيكلية البحث، وشرحٍ لأهداف الدراسة ومشكلتها، ومنهجها، واستعراض لدراسات سابقة تطرقت إلى أحد جوانب قضية البحث. أما الثاني فجاء مبينا للإطار التاريخي للدراسة، وقسمه الباحث قسمين:

الأول بحث في تطور علاقة الولايات المتحدة بالقضية الفلسطينية، وكيف بدأ اهتمامها بتوطيد علاقتها مع إسرائيل يتزايد منذ أن قررت لعب أدوار ذات تأثير في السياسة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية. وخلص إلى استنتاج أن توجهات السياسة الأمريكية نحو استثمار التفوق العسكري والاقتصادي والعلمي لإسرائيل كرصيد استراتيجي لها في المنطقة، جعل مواقفها من القضية الفلسطينية تنسجم تماما مع مقتضيات الإبقاء على هذا التفوق، وهو ما دعاها للعمل على تفكيك تحالف بعض الدول العربية مع الاتحاد السوفيتي، وجلبها إلى دائرة التحالفات الأمريكية. من هنا كان التوجه الأمريكي نحو حل الصراع بناء على رغبتها في تحقيق تسوية من شأنها أن تتيح لإسرائيل أن تحظى باستقرار على الصعيد الأمني، ويجنبها تهديد الدول العربية، ويمنحها الفرصة للاندماج في الشرق الأوسط من خلال التعاون الاقتصادي معها، والتمهيد أكثر لعملية اندماجها في الشرق الأوسط.

وفي القسم الثاني، كانت الغاية تبيان التغيرات السياسية والفكرية التي طرأت على التوجهات السياسية الفلسطينية، ولاسيما فيما يتعلق بنظرتها إلى الدولة الفلسطينية واستراتيجيات تحقيقها. واستنتج الباحث أن هناك تراجعا كبيرا في النظرة الفلسطينية إلى شكل الدولة بالمقارنة مع المنطلقات التي أسست لمواثيق منظمة التحرير وحركة حماس، ويضع هذا التصور جانبا الأفكار التي انطلقت على أساسها؛ كالحديث عن دولة من البحر إلى النهر على كامل التراب الفلسطيني. كما أن التحول أصاب أيضا استراتيجيات تحقيق الدولة، وبدا واضحا الانتقال من فكرة الكفاح المسلح كأسلوب للتحرير الكامل، إلى الشروع في التسوية السياسية من جانب منظمة التحرير، والقبول بها كخيار من جانب حركة حماس في وقت كانت تتشدد في رفضها له، واستعدادها لعرض هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل. وعزا الباحث هذا التراجع الذي شهدته التوجهات السياسية الفلسطينية إلى غياب استراتيجية عمل فلسطينية موحدة لمواجهة الظروف والتطورات الدولية، وتغليب الفلسطينيين العوامل الذاتية في مواجهة الظروف الموضوعية. وأن رغبة التنظيمات الفلسطينية في البقاء في دائرة التأثير في الصراع العربي الإسرائيلي، وتسيّد القرار الفلسطيني دفعتها لمواءمة سياساتها نظير إحراز اعتراف دولي بشرعيتها.

في الفصل الثالث خاض الباحث في التحولات التي طرأت على الأوضاع الدولية بعد أحداث 11 أيلول 2001، وانعكاساتها على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، مسلطاً الضوء على المدى الذي تأثر به مفهوم الولايات المتحدة لأمنها القومي، واتساع تصوراتها للحفاظ عليه، وكيف ساهم هذا التحول في إطلاقها لسياسة شاملة تقوم على إحداث «إصلاحات» سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية في مجتمعات الشرق الأوسط، ما أتاح لها القيام بدور قيادي على صعيد السياسة الخارجية الدولية، والتدخل في الشؤون والسياسات الداخلية للدول، ومراقبة السياسات التي تتبعها لمحاربة الإرهاب وإرساء قواعد الحرية والديمقراطية.

ثم انتقل الباحث للخوض في الدور الأمريكي في «إصلاح» السلطة الفلسطينية، مستعرضا الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والثقافية التي استخدمتها لتحقيق ذلك في خضم تصوراتها لمخرجات عملية «الإصلاح»، وما يحققه لسياستها في المنطقة. وقد ألقى الضوء على الرؤى والتصورات التي تنتظرها الولايات المتحدة كمخرجات لعملية التحول الديمقراطي، وكيف تلتقي مع سياستها العامة تجاه الشرق الأوسط، والرؤى التي رسمتها «لإصلاحه». واستنتج الباحث أن الولايات المتحدة لجأت إلى «إصلاح» السلطة وتغيير القيادة السياسية الفلسطينية نتيجة لضعفها عن تقديم مبادرات جدية لحل الصراع، والضغط على إسرائيل لإبداء مرونة أكبر في القضايا الحساسة في عملية التسوية. واللجوء إلى «الإصلاح» جاء كمحاولة لتغيير المنطلقات والأسس الفلسطينية لعملية التفاوض، وتغيير تصوراتهم التي تعتمد على قرارات الشرعية الدولية، إلى تصورات جديدة تضع الأمر الواقع أساسا لها، ولاسيما فيما يخص قضايا اللاجئين والقدس والمستوطنات. ومحاولة لإحداث تحولات في البيئة الثقافية الفلسطينية تؤدي إلى تحول في البيئة السياسية على أساس الترويج لتصورات جديدة وبديلة لحل القضية الفلسطينية، والتركيز على التعاطي مع متطلبات الحل وإمكانيته بصورة واقعية، تضع في الحسبان المتغيرات التي طرأت على أرض الواقع، وعدم واقعية تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وعودة اللاجئين، وسيطرة الفلسطينيين على القدس، وتفكيك المستوطنات.

حاول الباحث في الفصل الأخير تحليل توجهات السياسة الأمريكية تجاه السلطة الفلسطينية بعد تحقيقها لجزء من مطالب «الإصلاح» بإجراء انتخابات متنوعة. فقد سعى لتحليل سياسة الإدارة الأمريكية وتوجهاتها عقب التطورات التي شهدتها الحياة السياسية الفلسطينية، والربط بين الأهداف والمواقف والوسائل التي انتهجتها حيال النظام السياسي الفلسطيني. وكان من نتائج هذا التحليل أن الولايات المتحدة ركزت على الدفع نحو استئناف عملية السلام، وتقوية الاتجاه «المعتدل» في السلطة الفلسطينية، بما يسمح بالتعجيل بتوقيع اتفاق يقيم دولة فلسطينية مؤقتة، ويؤجل البحث في المسائل النهائية. واستثمار الرؤية الإسرائيلية القائمة على الحل الأحادي، ووضعها في سياق إنجازات خارطة الطريق. وهو ما يبرهن على أن الولايات المتحدة لم يكن لديها خطة محددة لتسوية القضية الفلسطينية، بل اعتمدت على استثمار الخطوات الإسرائيلية ووضعها في سياق رؤيتها لحل الدولتين.

وفي سبيل تناغم هذه الخطوات مع التعجيل في الوصول إلى اتفاق فلسطيني إسرائيلي، كان ضروريا للولايات المتحدة عدم إنجاح أي محاولة يمكن أن تقوي الموقف التفاوضي الفلسطيني، تمكنهم من الثبات على مواقفهم بخصوص القضايا الأكثر حساسية، والذي بدوره يؤخر إنجاز أي اتفاق على هذا المسار، ما حدا بها إلى العمل على الإبقاء على حالة من التباعد الفلسطيني-الفلسطيني بالأخص بين حركتي فتح وحماس، ولاسيما بعد أن حقق الفلسطينيون توافقا في مكة على صيغة تقربهم من المطالب الدولية، وتمكنهم الفكاك من ضغوطاتها. ويرى الباحث أن الإدارة الأمريكية استفادت من إبقاء الفلسطينيين مهمة التفاوض ملقاة على عاتق منظمة التحرير، دون ذهابهم إلى إحداث «إصلاحات» في بنية المنظمة وهياكلها على أسس وطنية فلسطينية ضمن محددات فلسطينية لإطار التفاوض وأولوياته قبل الخوض في عملية المفاوضات. وهو الأمر الذي ساعدها على الإبقاء على ضعف الطرف الفلسطيني، واستمرار المفاوضات، دون أن يمكن ذلك الأطراف الفلسطينية من لعب دور يقوي الموقف التفاوضي الفلسطيني.

النص الكامل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق